«حين ميسرة».. يفضح سياسات الحكومة تجاه المناطق العشوائية
الصحافة هاجمته لأنه تخطى الخطوط الحمراء
مشهد من الفيلم
القاهرة: محمد محمود
عندما تهاجم الصحافة الحكومية في مصر فيلماً بمجرد وصوله لصالات العرض، فإن هذا الفيلم يعبر بالتأكيد على أوجاع رجل الشارع العادي من سياسات الحكومة، حدث هذا مع فيلمي «عمارة يعقوبيان» و«هي فوضى»، ويتكرر الآن وبشكل أكثر قسوة مع فيلم «حين ميسرة» للمخرج خالد يوسف والسينارست ناصر عبد الرحمن، والمفاجأة أن فيلمي «هي فوضى» و«حين ميسرة» حققا ايرادات مرتفعة جداً بالنسبة لهذه النوعية من الأفلام، التي كان يصفها الجمهور سابقاً بالأفلام السوداوية الحزينة، وفيما حقق «هي فوضى» أكثر من عشرة ملايين جنيه خلال شهر، فإن «حين ميسرة» تخطى حاجز الأربعة ملايين في أسبوعه الأول، محققاً مفاجأة في حصوله على المركز الثالث في سباق الإيرادات فيما يخص أفلام العيد, الأمر الذي فاجأ صناع الفيلم أنفسهم، وفي مقدمتهم الممثل عمرو سعد، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن فريق العمل كان يركز على تنفيذ الرؤية المتفق عليها للفيلم ككل، من دون التفكير في مغازلة شباك التذاكر، وربما لهذا صدق الجمهور الفيلم ودخل الناس بكثافة ليشاهدوا للمرة الأولى ماذا يجري داخل الأحياء العشوائية، التي قدمها خالد يوسف للمرة الاولى على شاشة السينما المصرية.
وجاء الفيلم عكس الاتجاه السائد بين معظم النجوم الشباب بضرورة تقديم أفلام، تعكس الصور الايجابية عن مصر فقط، وهي النغمة التي تلعب عليها الصحف الحكومية أيضاً عندما تتهم هذه الأفلام بأنها تسيء لسمعة مصر، مع أن الهدف الأساسي منها هو التنبيه من كوارث قادمة بسبب تغافل الحكومة عن حل تلك الأزمات التي يعانيها الملايين.
وقال خالد يوسف لـ«الشرق الأوسط» إنه من المستحيل على فنان تربي في بلده وتعلم فيها، ويخاطب جمهورها أن يقدم شريطاً سينمائياً لكي يهاجم هذا البلد، مشيراً إلى أن العكس هو الصحيح، ففيلم «حين ميسرة» رسالة تحذير للمجتمع ككل، حكومة وشعباً، بأن المناطق العشوائية التي تحيط بالقاهرة، هي قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في وجه الاحياء الراقية في أي وقت ولأهون سبب، ويضيف، أن الفيلم يحذر أيضاً من أن هذه المناطق تحولت إلى مركز انتاج العناصر المتطرفة وأولاد الشوارع والعاطلين، الذين يهددون من حولهم بشتى الطرق.
والفيلم الذي تصل مدته إلى 120 دقيقة، يقدم إشارة واضحة إلى ان أزمة العشوائيات بدأت بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، لكنها استفحلت في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي، حيث بدأت أحداث الفيلم عام 1990 مع الغزو العراقي للكويت، وعودة العمالة المصرية من هناك، وبذلك تزايدت ازمة البطالة، ويشعر البطل «عادل» بالعجز في مواجهة الفقر ومسؤوليته عن والدته وأشقائه الصغار، فيما يغيب شقيقه الأكبر في العراق، ولا يعود أبدا ونعرف من مجريات الأحداث أنه انضم لتنظيم «القاعدة»، بينما يرتبط «عادل» بعلاقة عاطفية مع «ناهد» الفتاة الهاربة من الريف، وعندما تثمر عن طفل، يرفض «عادل» الاعتراف به لضيق ذات اليد، فتتركه والدته في الشارع وتربية إحدى الأسر لفترة حتى يهرب، وتستمر أحداث الفيلم حتى عام 2003 وسقوط بغداد، وما بين الفترتين نرى كيف زاد المتطرفون في المنطقة العشوائية، وزادت تجارة المخدرات من جهة أخرى، وكيف تستخدم الشرطة أمثال «عادل» للوشاية بالمتطرفين، بينما تسمح له بالبلطجة وتترك نفوذه يتزايد طالما يؤدي دوره فيما يخص الجماعات الارهابية، فيما تخوض «ناهد» صراعاً آخر مع الحياة، وتتعرض للاغتصاب والعلاقات الشاذة، وتعمل راقصة حتى المشهد الأخير، حيث يجتمع عادل وناهد في قطار واحد، لكن كلا منهما في طريق، بينما الابن المفقود تحول لطفل شوارع وأنجب من صديقته، ويقف معها فوق القطار ومعهما الطفل الرضيع، الذي لا نعرف مصيره بالطبع.
الجدير بالذكر أن مشاهد الشذوذ الجنسي بين غادة عبد الرازق وسمية الخشاب، لم تكن عنصرا جاذبا للفيلم كما توقع البعض، فالأمر لا يعود للقطة مدتها عشر ثوان، تم استخدمها في الدعاية، الأمر الذي سمح لصناع «حين ميسرة» بالفخر بأن نجاحهم الجماهيري نابع من المضمون فقط.
وحققت شخصية «فتحي» التي قدمها عمرو عبد الجليل صدى واسعا بين الجمهور، لأنه كان عنصر الكوميديا الوحيد في الفيلم، فيما أشاد النقاد بأداء هالة فاخر ووفاء عامر وأحمد بدير وغيرهم من الممثلين، بينما تركزت السلبيات في أن الفيلم قدم رؤية بانورامية للمنطقة العشوائية، استمرت مدة زمنية طويلة، الأمر الذي جعل الاحداث تتزاحم أمام المشاهد، خصوصا في الخط الدرامي الخاص بشخصية ناهد، التي أدتها سمية الخشاب.